-->
amin

آخر الأخبار

amin
amin
جاري التحميل ...
amin

هل ينجح برنامج "مسار" في رد الاعتبار للمراقبة المستمرة؟

                                                     
في الأسابيع القليلة الماضية، عرفت الساحة التعليمية رجة قوية، جراء التنزيل المباغت لمنظومة "مسار" المعلوماتية، ورغم ما أثارته من لغط وردود فعل متباينة في صفوف نساء ورجال التعليم، واحتجاجات صاخبة للتلاميذ أربكت سير الدراسة في مختلف المدن المغربية، فإن الوزارة الوصية ظلت صامدة في وجه "العاصفة"، ولم ترضخ للمزايدات والضغوطات المطالبة بإرجاء العمل بهذه المنظومة أو إلغائها، لإيمانها الراسخ بمدى إيجابيتها في تطوير النظام التربوي، وبما أن "مسار" برنامج مندمج من ضمن أهدافه تدبير الامتحانات والتقويم، ويتمحور حول التلميذ عبر تتبع مساره الدراسي، والتزامه بالمذكرات الوزارية المؤطرة للمراقبة المستمرة، ارتأينا أن ندلي برأينا المتواضع في هذا الصدد...
     ذلك أنه في إطار تنظيم الدراسة بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، والإعداد لنيل شهادة البكالوريا، سبق لوزارة التربية الوطنية أن أصدرت مذكرة بتاريخ: 05 ذو القعدة 1428، الموافق ل: 16 نونبر 2007، تحت رقم: 142، عن التقويم التربوي بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، معتمدة كمرجع أساسي، مذكرتها رقم: 43، بتاريخ: 22 مارس 2006، والقرار الوزيري رقم: 2385.06 الصادر بتاريخ:23 رمضان 1427، الموافق ل: 16 أكتوبر 2006، ويبدو أن الحلم النبيل والهدف الجليل هما ترسيخ ثقافة تعاقدية بين التلاميذ وأساتذتهم، قوامها التزام متبادل بين طرفي المعادلة، يتسم بالشفافية والموضوعية من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين تلاميذ مختلف جهات المملكة، في التعليم العام والخاص...
       ونجد من بين أبرز ما يرتكز عليه التقويم التربوي، للمساهمة الفعلية والفعالة في: النهوض بمنظومتنا التربوية، تطوير أساليب التدريس، وتحقيق أهداف الجودة المنشودة، الحرص الشديد على محاولة توحيد أدوات التقويم وأشكاله، سعيا إلى تمهيد السبل نحو خلق نمط من التجانس، بين هذه الأشكال والمواصفات المعتمدة في المناهج والبرامج من جهة، وقدرات التلاميذ من ناحية أخرى، وكذا السهر على تتبع نتائجهم واستثمارها بالشكل القويم، لاتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بتقويم وتصحيح النقائص لديهم لتحسين أدائهم. وحيث أنه لا يمكن بلوغ المرامي المرجوة، دونما العمل على توعية هؤلاء المتعلمين وإشعارهم بأهمية دور المراقبة المستمرة في حياتهم المدرسية، لتجويد تعلماتهم، تعميق معارفهم وتعزيز مهاراتهم ومكتسباتهم، وبالتالي إحاطتهم بما يلزم من الرعاية قصد التأكد من مدى جاهزيتهم، لخوض غمار الامتحان الوطني الموحد في ظروف جيدة وملائمة، فإن غياب التواصل المثمر والمراقبة الصارمة، أفرغ المراقبة المستمرة من مضامينها التربوية وأفقدها مصداقيتها، ومما يفيد عدم استيعاب التلاميذ لنبل مقاصدها في ظل التسيب الحاصل، هو استمرارهم في الاعتقاد بأن نقطها تمنح لهم بغرض إنقاذهم من شرور الامتحانات الإشهادية، لتصبح بذلك حقا مكتسبا لا يمكن التنازل عنه أو التفريط فيه تحت أي ظرف، وربما هذا ما يفسر انتفاضتهم القوية ضد المنظومة المعلوماتية "مسار" لتدبير الحياة المدرسية، معتقدين أنها جاءت لحرمانهم من هذا الامتياز الدراسي، أو هكذا أوحي لهم، في حين أنها لن تعمل إلا على خدمتهم وأولياء أمورهم في مناخ تربوي شفاف...
       وبعيدا عما تتطلبه المراقبة المستمرة من إجراءات تنظيمية، من حيث إعداد الأدوات والوسائل المرافقة لها، في احترام جدولتها الزمنية بطريقة منظمة، وبتنسيق مع الإدارة التربوية، ضمانا للسير الطبيعي للدراسة، وتجنبا للوقوع في مطب إرهاق التلاميذ، وبث بذور النفور واليأس في نفوسهم، ومن حيث القيام بأنشطة التقويم والتصحيح، لجعلهم قادرين على اكتشاف مواطن ضعفهم، والدفع بهم صوب تداركها، فإن "مسار" جاء لتمكين الآباء والأمهات والأولياء من الرصد المباشر لمسار أبنائهم دون عناء التنقل إلى مؤسساتهم التعليمية، من خلال برمجة الفروض ومسك النقط ومجموعة من التدابير عبر الانترنت... ذلك أنه في ظل ما تعرفه المنظومة التعليمية من اختلالات، نذكر منها انعدام التتبع لقلة الموارد البشرية سيما في هيأة المراقبة التربوية، وعدم التزام هيأتي التدريس والإدارة، بما تنص عليه  المذكرات سواء منها الوزارية، الأكاديمية والنيابية... استمر التلاميذ في التعليم العمومي كما في الخصوصي، يعملون بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، معتمدين على كرم بعض الأساتذة وتهديد البعض الآخر، لضمان نقط مرتفعة، تدعم معدلات الامتحانات وتوسع دائرة الحظوظ لنيل شهادة البكالوريا، من أجل الفوز بالتسجيل في المعاهد والمدارس العليا، لذلك يبقى الأمل معقودا على أن  يصحح برنامج "مسار" الوضع الشاذ، لرد الاعتبار للمراقبة المستمرة في التقويم الفعلي...
     ومما يفسر ما وصلت إليه نقط المراقبة المستمرة، من استهتار وعدم المشروعية في عكسها لمستويات التلاميذ وإبراز قدراتهم الحقيقية، أن المدارس العليا، المعاهد وكليات الطب والصيدلة..و..و.. في ظل محدودية المقاعد، وللحد من التدفق الحاصل، وجدت نفسها مضطرة إلى اعتماد المعدلات العالية، في انتقاء المسموح لهم بالمشاركة في إجراء الاختبارات الكتابية، ثم انتظار ما ستسفر عنه نتائج المباريات المنظمة.. ولأن الأسر الميسورة تأبى دوما أن يحرم أبناؤها، من امتياز الظفر بمقعد آمن ومريح لمواصلة دراساتهم العليا، في المدارس ذات الشهرة المحترمة، والضامنة لبلوغ أهم المراكز بعد التخرج، فإنها قبل أداء الرسوم الواجبة في التعليم الثانوي الخاص، تشترط استفادتهم من نقط ممتازة، الشيء الذي يفوت فرص القبول على أبناء الطبقات المعوزة. وبما أن أغلب المدرسين في هذا القطاع، هم أنفسهم من يدرسون في المدرسة العمومية، لانتمائهم إداريا إلى القطاع العام، فإنهم أمام التساهل القائم لا يترددون في جزل العطاء، مقابل تفادي الإزعاج وإثارة الأعصاب... ترى هل يستمر الحال على ما هو عليه وبرنامج "مسار" ينشد من بين مراميه تحقيق النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص؟
     إن المتأمل في نقط المراقبة المستمرة، غالبا ما يقف مشدوها أمام زيفها، وابتعادها عن الغايات التربوية المرجوة من تنظيمها، إذ لا نجدها في معظم الأحيان تعكس واقع التحصيل والأداء لدى المتعلمين، وخير ما يستدل به في هذا الإطار، هو ذلك التباين الملاحظ بينها ومعدلات الامتحان الوطني.. ثم بالله عليكم، أين نحن من الوازع الأخلاقي والضمير المهني، حين يتجه بعض السماسرة من الإداريين إلى أسلوب الاتجار في نقط المراقبة المستمرة ونقط المواظبة والسلوك، وينجز الأستاذ فروضها مع تلاميذه أثناء الحصص الإضافية الخاصة؟ وما ذنب أولئك الذين لا حول ولا قدرة لآبائهم وأمهاتهم على الأداء والإرشاء؟ إن النفخ في نقط المراقبة المستمرة، سيبقى وصمة عار في جبين المدرسة المغربية، ويعتبر جريمة نكراء في حق التلاميذ والوطن، ما لم يعمل برنامج مسار المعلوماتي على خلخلة المفاهيم والتصدي للعابثين، والحيلولة دون تماديهم في التلاعب بمستقبل البلاد والعباد....

     وانطلاقا مما أبدته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، من تشبث بهذه الآلية المتطورة وإصرارها على الشروع في عملية التغيير، فإن الأمل وثيق في أن تتلوها أخرى وتعمل على حسن استثمار المتاح من التكنولوجيات الرقمية في تدبير ومعالجة المعطيات، التي من شأنها بلورة المؤشرات المساعدة على التخطيط الأنجع للرفع من مردودية منظومتنا التعليمية، بما يساهم في الارتقاء بمستوى تلامذتنا، إذ من العار أن يظل تعليمنا يرسف في أغلال التخلف، وأن نستمر في تكريس سياسات الخمول والتضبيع التي عبر عنها أبناؤنا من خلال شعاراتهم المثيرة للاستفزاز والشفقة في آن واحد: "هذا عار هذا عار.. الكسول في خطر". فهل يشكل "مسار" الخطوة الأولى في طريق الإصلاح المرتقب؟

 اسماعيل الحلوتي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

المتابعون

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

التوجيه المدرسي والجامعي

2016