-->
amin

آخر الأخبار

amin
amin
جاري التحميل ...
amin

موقع المدرسة المغربية من اقتصاد مجتمع المعرفة

توجيه بريس
                              
موقع المدرسة المغربية من اقتصاد مجتمع المعرفة بقلم: رضوان ازهري
سأبدأ مقالي هذا في يومي هذا ، أحد  أيام النسخة السابعة عشرة للتوجيه المدرسي والجامعي والمقاولات ،  و المنظمة من طرف مركز التوجيه لأجل الدراسات والمهن،تحت إشراف وزارة التربية الوطنية ، بمقولتين حكيمتين ، الأولى من زمن العظام الغابر ، و الثانية من فضاء الفكر العابر[transfrontalier ] .
فكانت الأولى من فاه الاسكندر المقدوني عندما قال  "لا أزال أفضّل أن تكون لي قوة العلم لا قوة السلاح".  أما الثانية فبها صدح إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني في وجه الأمة العربية "الزمان معركتنا والمعرفة سلاحنا" .
 إن هاتين العبارتين- القليتين من حيث الكم ،الكبيرتين في الميزان الفكري- لخير مثالين لوصف حال العالم اليوم ، هذا العالم الذي يعيش على إيقاع زيادة مضطردة في استعمال المعرفة و المعلومات في شتى مناحي الحياة اليومية[ في الاقتصاد و في السياسة و في التربية...إلخ]، فغدت بذلك تكنولوجيا المعلومات المحرك الرئيسي للتطور التكنولوجي الذي يعد المدخل الظاهر للنمو الاقتصادي وللتنمية الاجتماعية .
هذا الوضع  أدى إلى بروز مجتمع جديد يدعى بمجتمع المعرفة ،و اقتصاد جديد يسمى باقتصاد المعرفة .هذا النوع من الاقتصاد لم يعد يقتصر على تسويق البضائع فحسب، بل تجاوز الأمر إلى إنتاج و تسويق خدمات المعلومات.
إن اقتصاد المعرفة يمثل نظاما اقتصاديا مرتكز على العلم كرافعة للإنتاج و أساس لتكوين الثروة، قائم على تكنولوجيا المعلومات و الاتصال كمحدد للناتج الداخلي الخام، جاعلا من التعليم و التكوين أهم ميادين الإسثتمار الوطني.
في ظل هذا المشهد الجديد، نتساءل حول موقع المدرسة المغربية من اقتصاد المعرفة ؟ وإلى أي مدى تستوعب المدرسة المغربية تحدي مجتمع المعرفة؟ و هل توجد إستراتيجية وطنيةللحد من ما يسمى بالفجوة المعلوماتية أو الهوة الرقمية؟
نحاول في هذا المقال تناول الموضوع من خلال المحاور التالية:

    1.      مدخل إلى اقتصاد مجتمع المعرفة
1.1 : في الحاجة إلى فهم اقتصاد مجتمع المعرفة
2.1: مزايا اقتصاد مجتمع المعرفة
    2.      المدرسة المغربية و اقتصاد مجتمع المعرفة: انخراط أم انصراف؟
1.2: وضعية المدرسة المغربية في زمن اقتصاد المعرفة : زمن الانصراف
2.2 دور المدرسة في التخفيف من الاحتباس أو الأبارتايد المعلوماتي : استشراف غد الانخراط
1: مدخل إلى اقتصاد مجتمع المعرفة

1.1        : في الحاجة إلى فهم اقتصاد مجتمع المعرفة

لقد أثبتت الدراسات الأنتربولوجية أن أهم الخصائص المميزة للإنسان على مر تاريخه ، كانت و لا تزال الرغبة في المعرفة وكشف المجهول .هذه الرغبة ستتفتق في عصرنا هذا، عصر المعرفة المرتبطة بتفجير طاقات الإبداع والابتكار.
والمعرفة منتَج اجتماعي واقتصادي معا، تشبه في مسارها القلوب بصفة عامة، حيث تذهب إلى حيث تلقى التقدير، فتحتضن و تصان في مجتمعات العلم و التعلم، و تداس و تبخس في مجتمعات الجهل و الأمية.
و مجتمع المعرفة فضاء للنمو يعظم خيار الشعوب للعيش حياة مديدة مدخلها الرئيسي هو المعرفة . هذا المجتمع يقوم على أربعة أركان ، يلخصها د. محسن خضر-أستاذ بكلية التربية- في:
ـ حرية الرأي والتعبير.
ـ نشر وتعميم التعليم وردم الفجوة المعلوماتية.
ـ إنتاج المعرفة وتوظيفها بكفاءة في النسيج المجتمعي.
ـ إبداع نموذج معرفي ذي خصوصية ثقافية.
 في نفس السياق، يعرف الدكتور "محمد ذياب" اقتصاد المعرفة -في كتابه " اقتصاد المعرفة..أين نحن منه؟" - بكونه  فرع من فروع الاقتصاديات الناشئة التي تقوم على فهم عميق لدور المعرفة و دور الرأسمال البشري في تطوير البنى الاقتصادية  وتنمية المجتمع، و يضيف بكونه الاقتصاد الذي تحقق فيه المعرفة الجزء الأعظم من القيمة المضافة.
أما  برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الاقتصاد المعرفي ، فيعرف هذا الإقتصاد بكونه اقتصاد يرتكز بالأساس على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاية في جميع مجالات النشاط المجتمعي، الاقتصادي، والمجتمع المدني، والسياسة، والحياة الخاصة وصولاً لترقية الحالة الإنسانية باطراد؛ أي إقامة التنمية الإنسانية باطراد، ويتطلب ذلك بناء القدرات البشرية الممكنة والتوزيع الناجح للقدرات البشرية على مختلف القطاعات الإنتاجية. أما فيما يتعلق بمحفزاته فتتمثل في العولمة وانتشار الشبكات ، الشيء الذي أدى إلى زيادة انتقال المعلومات بشكل أسرع وإتاحته للجميع.
و بتعبير الأستاذ كمال رزيق في مقال له تحت عنوان " توجه الأقطار العربية نحو اقتصاد المعرفة و تكنولوجيا المعلومات" : إنه العلم الذي  يبحث عن تحقيق، أو كيفية تحقيق، الرفاه الاجتماعي من خلال الاعتماد الكبير على المعرفة و تكنولوجيا المعلومات بشكل عام ، و ذلك عبر المراحل التالية:

-         توليد المعرفة و إسثتمارها ، وذلك عبر استنفار شبكات مراكز البحوث و شبكات مؤسسات المعلومات
-         نشر المعرفة من خلال برامج التعليم و التكوين و الإعلام..
-         استخدام المعرفة استخداما أمثل وأفضل.

1.2: مزايا اقتصادمجتمع المعرفة

إن الكم الهائل للمعلومات و سرعة تدفق المعارف و نجاح تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في تدبيرها في تسعينيات القرن الماضي، بوأ الألفية الثالثة المكانة التي تليق بها حتى تكون ميلادا للثورة الصناعية المعلوماتية الثالثة .
 و يمكن إجمال عناصر الاقتصاد المعرفي في جملة من العناصر:  بنية تحتية مجتمعية داعمة تتشابك تفاعلاتها عبر الربط الواسع للإنترنت. كما أن المجتمع المحتضن له مجتمع تعلم، عماله صناع معرفة لديهم: معرفة، قدرة على التساؤل، والربط عبر منظومة بحث وتطوير فاعلة. لذلك يسمو علماء التربية و الاقتصاد جيل اليوم بالجيل Y  [WHY] لانهم أشخاص لا يؤمنون الفكرة إلا بعد التساؤل حولها و كثيرو الإبداع و الإرتباط بالانترنت و التكنولوجيا.
 كما تكمن فوائد الاقتصاد المعرفي – حسب نتائج الدراسات الميدانية والأكاديمية التي قام بها الباحثون في هذا المجال معتمدين على قدرة أي بلد في الاستفادة من اقتصاد المعرفة- في تمكين البلدان من أجل الوصول إلى قمة الإبداع معتمدين على التعليم من جهة والاستخدام الأمثل والعقلاني للتكنولوجيا الحديثة المواكبة لأي زمان ومكان.
 كما يجمل  أحد الخبراء في الاقتصاد المعرفي [أمارتيا سينamartia sen ] فوائده فيما يلي:
-     الاقتصاد المعرفي يدعم مرحلة الطفولة المبكرة نظرا للتأثير القوي والاستعداد للتعلم منذ بداية العمر.
-              تحسين نوعية الخدمات الضرورية لمرحلة الطفولة المبكرة.
ü              تحقيق تغيرات وتحسينات أساسية وضرورية للمستقبل.
ü              تحقيق مخرجات ونواتج تعليمية مرغوبة وجوهرية.
ü             يعطي المستهلك ثقة أكبر وخيارات أوسع.
ü             يصل إلى كل محل تجاري ومكتب وإدارة ومدرسة.
ü             يحقق التبادل إلكترونياً.
ü             يغير الوظائف القديمة، ويستحدث وظائف جديدة.
ü             يقوم على نشر المعرفة وتوظيفها وإنتاجها في المجالات جميعها.
ü              يرغم المؤسسات كافة على التجديد والإبداع والاستجابة لاحتياجات المستهلك أو المستفيد من الخدمة.
ü              له أثر في تحديد: النمو، والإنتاج، والتوظيف، والمهارات المطلوبة.

بينما  تتجلى  سمات الاقتصاد المعرفي ذي المعطيات المميزة  و الخاصة - و التي تجعله منفردا عن باقي الأنظمة الاقتصادية -في :
ü      الاستثمار في الموارد البشرية باعتبارها رأس المال الفكري والمعرفي .
ü      الاعتماد على القوى العاملة المؤهلة والمتخصصة.
ü       انتقال النشاط الاقتصادي من إنتاج وصناعة السلع إلى إنتاج وصناعة الخدمات المعرفية.
ü      اعتماد التعلم والتدريب المستمرين، وإعادة التدريب.
ü       توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بفاعلية.
ü       تفعيل عمليات البحث والتطوير كمحرك للتغيير والتنمية.
ü       ارتفاع الدخل لصناع المعرفة كلما ارتفعت وتنوعت مؤهلاتهم وخبراتهم وكفايتهم.
ü       عقود العمل هي أكثر مرونة ومؤقتة ومرتبطة بالمهمة.
ü       الاستخدام الكثيف للمعرفة العلمية والمعرفة العملية المتطورة عالية التقنية وتوظيفها في أداء النشاط الاقتصادي لتحقيق أعلى نتائج متوقعة.

ü       لم تعد الموجودات الفيزيائية للشركة تشكل عامل أساسي في تقييم الشركة المالي           
ü      لم يعد كبر حجم الشركة يتطلب زيادة في التكاليف وبالتالي يحد الأرباح
ü       لم يعد هناك مواقع مالية آو تقنية تمنع النفاذ للمعلومات
ü       لم يعد تأسيس شركات عالمية يتطلب استثمارات مالية ضخمة
ü       تحول المعلومة آلي سلعة يمكن الاتجار بها
ü       أصبح للمعلومة قيمة تبادلية وقيمة استعماليه

 و يمكن إجمال السلع المعرفية في : المعارف العلمية[ التقنية الفنية الإبداعية السياسية التاريخية ..] والمعارف الأكاديمية والمعارف الإعلامية [ كل ما يختص بإيصال الأخبار والإعلان بكافة أشكاله]. هذه السلع الخاصة تحمل إما على الراديو، التلفاز، الكاسيت، الجريدة، المجلة، الكمبيوتر، الأقراص المرنة والمدمجة، المجلة الالكترونية، النشر الالكتروني والانترنت...إلخ.
 إن إمكانيات اقتصاد المعرفة الكثيرة و المتنوعة و شبه المجانية أصبحت تغري كل نظام [سياسي، اقتصادي أو ثقافي]، مما جعل من  الاعتماد والتركيز على مثل هذا الاقتصاد   أمرا بديهيا ومنطقيا بل حتميا، كما أن التحديات العالمية من جهة ومخلفات الوضع الاقتصادي العالمي من جهة ثانية، فرضت نفسها للاحتكام إلى مزاياه.
 و سأذلكم على سر  البسيط  وراء الصعود  السريع للنمور الأسيوية  و التحاقها بالركب الحضاري و قائمة الدول المتقدمة ،فالأمر يختصر في الإسثتمار في العنصر البشري من خلال الرفع من مكانة التعليم و احتضان كل الأفكار  العلمية التي تتحول بين ليلة و ضحاها إلى براءة اختراع. و يكفينا الاستدلال بكوريا الجنوبية لتلمس حقيقة الأمر.
عددت اليوم المصطلحات الدالة على تطور التفاعلات التي تنسج في فضاءات  المجتمعات المتقدمة و المتحضرة ، فتارة يشار لها في الميدان السياسي ب" الحكومة الالكترونية " ، و في الميدان الإقتصادي ب   " التجارة الالكترونية" ، و في الميدان الإجتماعي ب  " المجتمع الالكتروني "  وفي الميدان التربوي ب " المدرسة الالكترونية " ...إلخ
هذه التوصيفات تدل على ضرورة انخراط مؤسسات الدول المتاخرة  في سيرورة العصر الالكتروني  ،  بما يسهم في تعظيم خيارات المجتمع على جميع الأصعدة. فاين يوجد مجتمعنا من هذه المنظومة الصاعدة؟

المحور الثاني: المدرسة المغربية و اقتصادمجتمع المعرفة: انخراط أم انصراف؟
2.1: وضعية المدرسة المغربية في زمن اقتصاد المعرفة : زمن الإنصراف

 لقد أصبح باديا للعيان ، أن المدرسة المغربية تعيش حالة مخاض وترقب و ذهول  اتجاه تطور شبكة الإنترنت ، كما أن غزو الحاسوب وتطبيقاته لكل مرفق من مرافق الحياة-بما فيها المدرسة- أحدث معه طوفاناً معلوماتياً، وجعل المسافة بين المعلومة والمتعلم تقترب من المسافة التي تفصله عن مفتاح جهاز الحاسوب.
من هذا المنطلق نطرح السؤال التالي: إذا كان ميلاد الثورة العلمية التي تعرفها الساحة العالمية أسهم في خلق ثروة معلوماتية كبيرة لدول "السبق المعلوماتي" ، فإن  ذلك لم ينعكس على المدرسة المغربية بالشكل الذي يسمح ببناء إقتصاد مغربي جديد، مبني على المعرفة كدعامة للتنمية بمختلف تجلياتها، فأين الخلل؟ هل في  المدرسة كمركز للمنظومة التربوية أم في الدولة  أم فيهما معا؟ ومتى ستنخرط في اقتصادمجتمع المعرفة ؟
تدل الإحصائيات الرسمية حول استخدام الأتنرنت لعام 2005 أن المعدل المغربي  هو 3.2 وراء تونس ذات المعدل 4.2 و هي معدلات متدنية، إذا ما قورنت ببلدان ذات الدخل المتوسط ولها نفس قدراتنا  من حيث الإقلاع الاقتصادي ، مما يعطي الانطباع بتشابه المقدمات  و اختلاف في النتائج العلمية.
في نفس السياق ، نلاحظ بأسف شديد ضالة إنفاق  الدولة المغربية من ناتجها الوطني، إن لم نقل منعدم [لا تتجاوز0.6 من الناتج المحلي الخام].
هذا الوضع الذي يبرز ضعف الالتزام المغربي بالتعليم من خلال الإنفاق العام الوارد بالترتيب حسب دليل التنمية البشرية ، لا يخص المملكة لوحدها بل تشترك معها مختلف ربوع المغرب العربي بل  لنقل الوطن العربي كله.
هذا المشهد سيزداد قتامه مع تحذيرات تقارير المجلس الأعلى للتعليم، التي تعد وثيقة وطنية مرجعية، تشخيصية واستشرافية للمدرسة المغربية، و  تصنيف برنامج الإدارة الإلكترونية للأمم المتحدة، الذي صنف المغرب في المرتبة 140 من أصل 192 دولة في مجال إدماج التكنولوجيا في المؤسسات العمومية.
كما نضيف ، بُعد برنامج جيني [برنامج تعميم تكنولوجيا المعلوميات في قطاع التعليم] و برنامج نافذة [ تزويد 100.000 أستاذ و أستاذة بحواسيب محمولة مع الربط بشبكة الانترنيت] عن تحقيق الغاية المرجوة منهما ،الشيء الذي جعل منهما  برنامجين محتشمين إن لم نقل خدما أطرافا و جهات معينة دون بلوغ الهدف المنشود ألا وهو عصرنة قطاع التعليم، وإدخاله في عالم التكنولوجيات الجديد للمعلوميات والاتصالات.
فالأول شرع في إنجازه منذ سنة 2006 و توقف في ظروف عابرة، دون تقييم لحصيلته. أما الثاني، الذي أريد له أن يكون رافعة أساسية لإنجاح البرنامج الأول، فلم يكتب له الاستمرار و توقف سنة 2010.  فأصبح شعار «جميعا من أجل إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التعليم» في خبر كان،  و مطلب تقليص الهوة الرقمية ببلادنا و تنزيل توجيهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين و التسريع بتطبيق البرنامج الإستعجالي و تأهيل الفضاءات التربوية لتمكين الأساتذة من إدماج تكنولوجيات الإعلام والتواصل في دروسهم بغية تطوير تعلمات التلاميذ ، في مهب الريح.
إن تخلف التعليم المغربي وضعف الإنفاق على البحث العلمي، واستيراده عوضا عن إنتاجه تسم الحالة المعرفية ، حيث يسود الكم على الكيف في  مدارسنا ، وتقف معدلات الأمية المرتفعة حائلا دون الانخراط في مجتمع المعرفة، وخاصة مع تدني نسب الالتحاق بالمراحل العليا من التعليم الجامعي مقارنة بالمعدلات العالمية.
وتعتبر المدرسة أهم أدوات عبور خط التقسيم الرقمي وتخطي الفجوة الرقمية، والتي يمكن تحديد موقعها من أسس أركان إقامة مجتمع المعرفة الأربعة: 1. اتصال و إعلام.     2. ثقافة مجتمع المعرفة وعلومه وأركانه.      3. رأس مال بشري.    4. مستوى تعليم راق.
و بما أن الفضاء المدرسي ما زال يعرف سيادة العقلية التلقينية، القائمة على الحفظ والتكرار، فإن أهم عوامل إجهاض الدخول إلى مجتمع المعرفة  قائمة و مجتمعة و مناقضة لبراديغم  مجتمع المعرفة  الذي يشجع في المقابل الحوار والإبداع، والتعلم الذاتي، وثقافة السؤال. و يحتاج إنتاج المعرفة إلى وجود ثقافة معرفية متميزة في المجتمع تساندها وتشجعها وتبرز وتحترم قدرات التفكير والإبداع والسؤال والتأمل والبحث.
إن مجتمع المعرفة يعلّم ويتعلم، ويتواصل ويبتكر ويتحكم ويتاجر ويضع الأنظمة ويتقدم في كافة جوانب الحياة من خلال استعماله للتقنية الرقمية. إنه المجتمع أو الجهاز العصبي الرقمي الذي يدير الإمكانيات غير المحددة لإدارة المعرفة لتحقيق مزيد من التقدم.
و لا عجب إذا ما جاء تقرير التنمية البشرية الإنسانية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعنوان "نحو إقامة مجتمع المعرفة" بقوله "إن غالبية المنظومات البشرية في الأقطار العربية –بما فيها المغرب-تميل إلى امتلاك نماذج معرفية مشتركة تهدف إلى حماية الأوضاع الراهنة في البلاد، وتكريسها في المجتمعات على صورة مؤسسات وحوافز مجتمعية محافظة، بما يقعد أفرادها عن تحدي الأوضاع القائمة ويقلل من فرص التعلم، ومن ثم تعمل على إدامة الوضع الراهن، وبهذا تلعب السلطة السياسية دورا جوهريا في توحيد المعرفة،وتعمل على تدعيم النمط المعرفي الذي ينسجم مع توجهاتها وأهدافها.
وترجع مختلف معيقات ربط المدرسة كمشروع مجتمعي يبني الاقتصاد المعرفي إلى:

    ·        حساسية الدولة من حرية تداول المعلومة، في الوقت التي أضحى الحق في تقاسم المعلومة مطلبا حيويا و مدخلا لبناء أسس دولة الحق و القانون.

هذا المعيق ، كنت قد أشرت له في مقال لي بعنوان " أسئلة إصلاح منظومة التربية و التكوين: أي مدخل لبناء مدرسة الغد؟ من خلال السؤال التالي:  كيف يمكن الحديث عن إصلاح لمنظومة و الدولة مسكونة بفوبيا المواطن المتعلم العارف أو ما أصطلح عليه ب"البيداغوفوبياPedagophobie " و " الأندارغوفوبياAndragophobie "؟
    ·        استمرار انتهاج سبل التبعية لا الخلق و الابتكار:فتقوم المدرسة باستهلاك التكنولوجيا لا باستيعابها، كما تنخرط في المنطق الاستيرادي لا العقل التنويري.
وهنا تحضرني قولة موريل C.Maurel " إن أروع ما حققه الاستعمار هو مهزلة تصفية الاستعمار. لقد انتقل الرجل الأبيض إلى الكواليس، لكنه مازال يخرج العرض المسرحي".  يعني موريل بقوله أن مناهضي واقع الأمس [الإستعمار] ، أصبحوا –نتيجة عجزهم أو/و تواطئهم أو/و افتقادهم للوعي التاريخي- شركاء اليوم لنفس شركاء الأمس ، لكن بقواعد جديدة  لا  تخدم تعليم أبناءهم ، أو تصب في قنوات الطرف الأقوى الذي مازال يصدر لها أزماته و يقتات على جهلها.
    ·        افتقار المشروع المدرسي إلى المخططين المحنكين، و ذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: ماذا نريد من المدرسة؟ ماذا نريد من التقانة؟ وما هي المشاكل التي ستحلها التقانة؟ وما هي الطموحات التي ستحققها التقانة للمدرسة و المجتمع؟ و ما هو الوقت المناسب للو صول لتلك الغايات؟
2.2 دور المدرسة في التخفيف من الاحتباس أو الأبارتايد المعلوماتي : استشراف غد الانخراط
 لن  يجادل احد ما إذا ما قلنا بان  مجتمعات الغد ستقوم على المعرفة وهيمنتها، والتعليم أحد المصادر التي ستعزز مكانة الدول في المنتظم المعلوماتي الدولي،  كما أنه إحدى الوسائل لنقلها بأشكال منظمة.
لذلك، تحتاج مدرستنا أن تكون متوجهة نحو المعرفة بصورة أكثر شمولا مما عليه في الوقت الحاضر، و تعمل الجهة الوصية على تنمية البيئة المؤسسية التي يمارس التعليم فيها من حيث الحجم والوظيفة حثى يصبح الفضاء المدرسي  بمثابة مجمع تعليمي [complexe d’écducation]وتتحول بذلك  إلى قنوات رئيسية للتواصل والاتصال، وتحويل المجتمع إلى مواقع لعملية التعلم.
وقد أضفت المعلوماتية سمتها على أهداف التربية كما حددتها اليونسكو في وثيقتها "التعليم ذلك الكنز المكنون" وهي أهداف: التعلم للمعرفة، والتعلم للعمل، والتعلم للكينونة، والتعلم للمشاركة.
في هذا السياق، يشير بوزمان –باحث تربوي- إلى أن مستقبل المدارس مرتبط بشكل كبير بتقنية التعليم المتمثلة في الحاسوب الذي أصبح يدخل في جوانب العملية التعليمية من تدريس وإدارة وتقويم وبحث وتواصل مع الآخرين.
 في نفس إتجاه بوزمان ، يؤكد المستقبلي الأمريكي إلفين توفلر صاحب "صدمة المستقبل" و"الموجة الثالثة" و"تحول السلطة" بأن المعرفة مورد لا ينضب وهي البديل للموارد الأخرى. وتقلل المعرفة الحاجة إلى المواد الخام والعمالة والوقت والحيز ورأس المال وتصبح بذلك المورد المحوري للاقتصاد المتقدم وتزيد قيمتها أن السلطة في مجتمع المعرفة ليس مصدرها الحزب أو الفرد أو الدولة، بل التحول الخفي في العلاقات بين العنف والسلطة والمعرفة فيما تنطلق المجتمعات نحو صدامها مع الغد. هذا هو السر الخطير المثير لعصر تحول السلطة كما ينهي توفلر إلى علم من هم في غفلة من أمرهم أو استغفال لشعوبهم.
إن  المملكة المغربية و كباقي الممالك و الجمهوريات  العربية مهددة بالخروج من جنة المعرفة وحيث الشرط المحدد لاكتساب المعرفة ليس استيرادها أو استعمالها بكفاءة، بل إنتاجها كقيمة مضافة للإبداع والابتكار وثمة تخوف أن يصبح تراجع المعرفة القائمة على الابتكار المحدد للتخلف وبالتالي تراجع القدرة على التنافس.
ومن ثم يمكننا أن نفهم لماذا تقدمت النمور الآسيوية التي ركزت على انطلاقة تعليمية في حين تعثرت جل دول المغرب العربي التي لم تهتم بالتعليم كثيرا ماعدا الشقيقة تونس التي جهّزت مدارسها  بالتقنيات المعلوماتية والاتصالية.
ثمة توقع لظهور "أبارتايد معلوماتي" حيث تتم إزاحة دول الجنوب في هذه العنصرية الجديدة وحيث يصبح الأفراد الأميون حاسوبيا فائضين عن الحاجة، فقد أصبحت القوة في يد من ينتج المعلومات ويرسلها، وهو ما يمكّنه من أن يتلاعب بها. لهذا فالمدرسة المغربية مدعوة اليوم أكثر من الأمس أن تستشرف غدها عبر استيعاب و استعمال و لما لا إنتاج التكنولوجيا، فكل شيء مكتسب قابل للتعليم و التعلم ، يقول البيداغوجيون.
أليس علو كعب مغاربة العالم ما هو إلا دليل قريب يعاينه القريب و البعيد كما يرصده الصغير و الكبير على أننا قادرون على ترك بصمتنا مثل باقي الدول؟
يقسم الأبارتايد العنصري العالم معرفيا إلى شمال وجنوب، كذلك يقسم المجتمع الواحد إلى شمال وجنوب حيث لا يزال المغرب كباقي العرب يسعى إلى محو الأمية الأبجدية في حين أن العالم المتقدم يتحدث عن محو أمية الحاسوب .
والأبارتايد الجديد يعني وجود حلقة ضيقة من المستفيدين من تقنية المعلومات مقابل قاعدة عريضة من الأميين، وهو ما يعني ظهور نخبوية جديدة إعلامية الطابع[   infocapitaliste ou informationelitisme] حيث تستأثر جماعات وشرائح وبلدان معينة بالمعلومات على حساب حرمان أقطار الجنوب، الأمر الذي سيعمق الفجوة المعرفية، والتي تعني تسييد فقر معلوماتي لغياب البنية التحتية المناسبة للاستفادة منها والجهل باللغة الإنجليزية كأداة للتعامل مع شبكات المعلومات (وهو ما يعني أيضا تسييد الهيمنة الثقافية الأمريكية خاصة والغربية عامة).
ودون الدخول في متاهة الأرقام والنسب التي تؤكد بجلاء تصدر السويد- والنرويج وفنلندا وسويسرا وهولندا وكندا وألمانيا - قائمة الدول ذات  البيئة التحتية الاتصالية الجيدة .فيمكننا الحكم على تدني مؤشرات رأس المال المعرفي في المجتمع المغربي الذي يقع خارج- خط التقسيم الرقمي- وأهمها: متوسط سنوات التمدرس، عدد الصحف اليومية لكل ألف من السكان، عدد أجهزة التلفاز لكل ألف من السكان، عدد العلماء والمهندسين العاملين بالبحث والتطوير لكل مليون من السكان، عدد طلبات تسجيل براءات الاختراع لكل مليون من السكان، وعدد الكتب المنشورة لكل مليون من السكان، عدد خطوط الهاتف الرئيسية، عدد مشتركي خدمة التلفون المحمول، أو استخدام شبكة الانترنيت لكل ألف من السكان.
على ضوء هذة التحربة المضيئة في تاريخ امم أووربا الشمالية ، يمكن القول إن المنظومة المغربية  في إدخال التقنية إلى أساس المجتمع في المدارس والمكتبات، قد فشلت حتّى الآن، ولذا يبقى هناك الكثير مما ينبغي عمله لتبني تقنية المعلومات، إلى جانب أن توصيل المدارس بشبكة الانترنيت جاء أقرب إلى الديكور منه إلى التوظيف الحقيقي، وأن تكون تقنية المعلومات وسيطا حقيقيا في التدريس .

قبل أن نختم ، نقول أن ولوج اقتصاد مجتمع المعرفة يمر بتبني الإستراتيجية التالية ذات المبادئ البديهية:

    ·         تجاوز  حاجز اللغة، حيث أن اللغة المستخدمة بنسبة كبيرة في المنتجات التقنية والمعلوماتية في شبكة الإنترنت هي اللغة الإنجليزية.
    ·          و تجاوز الأمية المعلوماتية.
    ·          و تجاوز الشعور بأن إدماج التكنولوجيا في المدرسة سيزيد من أعباء المعلم.
    ·         دون إغفال الحاجة إلى تعلم أساليب وطرق جديدة.

و يبقى التحدي التقني للمدرسة المغربية متمثلا: في عدم مجاراة الثورة العلمية المعرفية  والمعلوماتية في شتى مناحي الحياة ، والاكتفاء في بعض الأحيان بقشور هذا التقدم العلمي والتقني أو الانغماس في جوانبه الاستهلاكية وتطبيقاته الهامشية دون الولوج إلى خفايا وأسرار ه الإقتصادية .
فالوقت حان لإعطاء أولوية خاصة للبناء العلمي لأفراد المجتمع وتنمية قدراتهم وتطويرها وتذليل كافة الصعوبات والعقبات التي تحول دون إطلاق الطاقات الفكرية المبدعة من أبناء المغرب الحبيب  للمشاركة الفاعلة في توطين  و توظيف التقنية بما يتلاءم مع ظروفنا الإقتصادية للإستجابة  لمتطلبات التنمية الشاملة في شتى أرجاء المملكة .
 هكذا،حاولنا قدر المستطاع، من خلال هذا المقال أن نقارب واقع حال المشروع المدرسي من خلال ربط مضمونه وغاياته عبر بوابة تشخيصية رصدية تشرح معطياته، أوصلتنا في أخر المطاف إلى نتيجة مفادها أن المدرسة تعيش خارج زمنها التكنولوجي، كما أنها مازالت-كما كانت- تعاني مجموعة من الظواهر المرضية التي حجبت عنها فرصة إغتنام الفرص التي تتيحها التكنولوجيا ، فضعف و سيضعف  كيانها الإقتصادي ذي المرجعية المعرفية، و أعيقت فرص لحاقها بالركب الحضاري.
هذا المآل ،ننشد على ضوءه ، جميع المسؤولين أن يبحثوا عن العلاجات الشافية لاستدراك خطورة الأزمة المتكررة و المتعددة الأوجه، لأن غياب مثل هذه العلاجات سيؤدي بالجسم المدرسي إلى سرطان لن معه علاج بقدر ما سيحتاج إلى الاستئصال، كعملية لا يمكن ترقب مسارها. ولنا في درس [ le parabole de gangrène] حكمة لمن أراد ان تبصر !.
إن الإنتصار في مثل هذه مباراة السد لهو الحل الوحيد لضمان تعليم جيد للجيل الحالي و لنظيره المستقبلي ، و كذلك لضمان صحة و أمان مستدامين. لكن مثل هذه المباريات لا تتطلب فقط إحدى عشر لاعبا،بل بإراداة كل المغاربة وحماسة كل المغربيات الحرات. اتنهى

 رضوان ازهري

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

المتابعون

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

التوجيه المدرسي والجامعي

2016