-->
amin

آخر الأخبار

amin
amin
جاري التحميل ...
amin

أدوار المدرسة من منظور كتاب Sociologie de l’éducation للأستاذ محمد الشرقاوي

                                                    
قام بإنجار هذه القراءة المستشارين في التخطيط التربوي : عبد الرزاق تيبيس و محمد كزغار

مقدمة
تحاول هذه القراءة في كتاب "Sociologie de l’éducation" لمؤلفه محمد الشرقاوي ،الوقوف عند أدوار المدرسة من منظور الكتاب. هذا الأخير يحلل أهم المشاكل و يلخص أبرز نتائج البحوث حول النظام التعليمي. و خصوصا الجانب الذي سنتطرق إليه في هذا العرض؛  والمتمثل في أدوار التوحيد و التقسيم و الإنتقاء و الإدماج الاجتماعي....
    و محمد الشرقاوي هو عالم اجتماع ومدير أبحاث بالمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا (CNRS)  ويرأس فرقة العمل المعنية بمنهجيات التحليل السوسيولوجي (CNRS باريس 4 السوربون). وهو عضو بالأكاديمية الأوروبية لعلم الاجتماع كما كان وزيرللشؤون الاقتصادية والمالية، بالمغرب ، في ظل حكومة  أحمد باحنيني. وتشمل اهتماماته في مجال البحث العلمي كل من سوسيولوجيا الأنظمة التعليمية والحراك الاجتماع

    1 المدرسة و السياسة:

تطرح مسألة التغيير في المؤسسة التعليمية بإلحاح عند الأزمات السياسية الحادة. فكل من يأتي بعد ثورة ما يجد ضرورة في هذا التغيير، رغبة منه في بناء مجتمع يساير معتقداته و تطلعاته على أنقاض المجتمع السابق. و من هنا يبرز توجهان: الانسجام و التمركز:
فالأول يقول بضرورة وجود انسجام بين المؤسسة التعليمية و باقي المؤسسات و المكونات الاجتماعية. أما الثاني فيرى أن المدرسة هي المركز الرئيسي للتربية و التكوين العلمي و الإيديولوجي للناشئة. وهناك مبرر آخر يتمثل في الدور الذي تلعبه المدرسة في المجتمعات التي تعرف تحولا، من اقتصاد تقليدي إلى آخر عصري يعتمد على تكنولوجيا متطورة و بحث علمي متقدم، بحيث تصبح أداة مركزية في إستراتجية هذا التحول.

1-1 في السياسة:

يعد البحث في العلاقة بين التربية و السياسة من الأمور الحديثة التي ترجع إلى ستينيات القرن العشرين، و إذا كان ارتباطهما جلي فمنحى التأثير يبقى غامضا وعصيا على الفهم. ففي المجتمعات المعاصرة يظهر من البديهي تأثير السياسة على التربية من خلال سيطرة الدولة أو بعض مجموعات الضغط، وعن طريق صياغة المناهج من لدن لجان منتخبة أو معينة من طرف الحكومة وكذا الهيئات المهنية. لكن التأثير في المنحى الآخر يبقى صعب المنال.  والمدرسة باعتبارها أداة للإدماج السياسي فهي قادرة على تلقين الفرد قدرات و كفايات تقوده إلى التموقف من النظام السياسي .
وفي علاقتها بالسياسة نجد المنظومة التربوية المعقلنة و المنهجية قادرة على إنتاج أفراد مبرمجين بإمكانهم التصرف انطلاقا مما تم تلقينهم ، وهذا الطرح تتبناه على الخصوص المجموعات الإشتراكية الشمولية. و هناك طرح آخر يتمثل في محدودية دور المدرسة بالنظر إلى الموقع الذي تحتله في مجتمعاتنا ، ونسبية استقلالية الأفراد ومقاومتهم لكل تغيير.
والإيديولوجيات الشمولية من أهدافها المعلنة خلق إنسان جديد لمجتمع جديد، ولهذا فهو محتاج إلى مدرسة جديدة.
 و يمكن إدراج الحالة النازية من خلال بعض مراجع "Baumler" أو "Krieck" حيث تتأسس بيداغوجيتها على المبدأ العرقي للأمة الألمانية. ويتحدد الهدف من التعليم  في تكوين أفراد بعقيدة عسكرية نازية، ومن هنا يتضح لماذا كانت المدرسة تأتي في المستوى الثاني بأجهزة الحزب. فقد كانت مهمة سرايا الحزب النازي تتمثل في دمج جميع الطبقات الاجتماعية للأمة الألمانية في مجتمع سياسي متجانس و ردم الهوة التي توجد بين النخبة و الشعب. فالسرية بصفتها مجال للتكوين الشبه عسكري تعد كذالك مركز التكوين المدني.
من جهة أخرى هناك من يرى أن التربية المدرسية تساهم في الاندماج السياسي، فالنظام التربوي المتمركز في يد الدولة يساهم في تعزيز الهوية الوطنية خصوصا في المناطق ذات التنوع العرقي و الديني و الإثني.
 و من أجل تحديث المجتمع و الانتقال به من الصفة التقليدية إلى أخرى ديمقراطية يجب فتح حوار بين القيادة و الشعب هذا الحوار لا يتأتى إلا عن طريق معرفة المواطن لمجموعة من الأسس و العناصر التي لا تتوافق و حالة الأمية ، وهو ما جاء به منظرو الثورة الفرنسية الذين يعتبرون ورثة فلسفة عصر الأنوار.
   وتعد الأمية من العوامل المؤثرة على التطور الاقتصادي و الاجتماعي للدول، و الملاحظ أن الدول الأقل تطورا هي التي بها نسب عليا من الأمية. كما أن لها تأثير على السياسة و الثقافة، فالمجتمعات التي تعتمد على ما هو شفهي نادرا ما يتم فيها نقل و تلقين المعارف فكل التقاليد و الأفكار و المنجزات و الاختراعات تمر بالضرورة شفهيا مما يجعلها معرضة للنسيان أو للتحريف. و حسب فلاسفة مثل "jaeger-" أو"cassirer" فإن الحضارات التي عرفت الكتابة كانت هي السباقة للانتقال من الخرافة إلى العقل و المنطق.
و يِؤكد ماكس فيبر على أن التنظيم الإداري يقوم على الكتابة التي تصب في منحى لا شخصنة العلاقات. و تاريخيا نلاحظ أن هناك علاقة بين الكتابة و تطور الإدارة في الحضارات: السومارية و المصرية و الصينية.

2-1 بنية الدولة و التغيرات التربوية:

تدعم نظريات التحديث الطرح القائل بأن المشاركة السياسية للمواطن تقتضي حدا أدنى من التربية، ومن تم فالتربية ستكون أداة فعالة للاندماج الوطني خصوصا في الدول المتعددة الإثنيات و المتميزة بتنوعها اللغوي.
كما أن لتوسع البيروقراطية بالدول المستقلة حديثا و لجوؤها إلى توظيف حاملي الشهادات الأثر البالغ في احتدام المنافسة بين الأفراد وبين بعض الجماعات للحصول على المناصب التي غالبا ما تكون ذات مردودية مادية كبيرة.
 و نتيجة لهذا فإن عدد المتمدرسين بالدول المستقلة يزداد بوثيرة أكبر من غيرها.

3-1 التربية و التنمية و سوق الشغل:

إن دراسة العلاقة بين التربية و الإقتصاد كان من ورائها ظهور طرحان:
الأول: في الإقتصاديات المعاصرة حيث يرتبط المستوى التعليمي ايجابا مع الدخل
الثاني: أنه منذ بداية القرن العشرين لوحظ أن الإنتاج لم يعد يتطلب تعبئة نفس الرأسمال.
مستوى التعليم و الدخل
تتدخل عدة عناصر لتحديد الدخل ( الجنس، السن، الطبقة الإجتماعية...)، لكن الملاحظ هو أنه باستثناء السن يبقى المستوى التعليمي هو المحدد الرئيسي للأجرة
خلاصات:
1 تزداد الأجرة مع تقدم السن إلى حين الوصول إلى أجر أقصى ثم تبدأ في الإنخفاض مهما يكن المستوى التعليمي.
2 حينما يرتفع المستوى التعليمي يصاحبه ارتفاع في الأجرة، و يكون هذا الإرتفاع سريعا خلال الأطوار الأولى من الحياة المهنية مقارنة مع الأطوار المتأخرة.
3 ارتفاع المستوى التعليمي يؤجل السن الموافق للراتب الأعلى.
الخلاصة الأولى يمكن تفسيرها بسهولة إذا ما اعتبرنا أن التقدم في السن يدل على اكتساب تجربة عملية و معارف داخل العمل. و كون الدخل ينخفض بعد سن معين قد يشير إلى تراجع التجربة مع التقدم أكثر في السن. و الملاحظ عموما أن الأجر يتزايد مع السن وفق معدل تناقصي مما يفسر تحدب المنحنى.
و الخلاصتين الأخيرتين مرتبطتين بمردودية التربية. فإذا كان الأجر يرتفع حسب المستوى التعليمي في بداية المسار المهني فإن السبب قد يكون مرتبط بسياسات التشغيل. و أما الإرتفاع السريع للأجرة بالنسبة لأصحاب المستوى التعليمي المرتفع فهو راجع إلى كونهم يحسنون استعمال مؤهلاتهم. و فيما يتعلق بتأخر مرحلة انخفاض الدخل فيعزى إلى كونهم يحافظون على مواقع تجنبهم تقييما محتملا لكفاءتهم. 
وقد تؤول هذه الظواهر كذلك بأن الشهادة هي مؤشر مميز للفرد أكثر من أنها تدل على المؤهلات المكتسبة. فالشهادة تلعب هنا دور مصفاة لانتقاء الأجراء.

4-1 مساهمة التربية في النمو الاقتصادي:

إذا كان النمو الاقتصادي و معدل الدخل القومي مرتبط بدخل الأجراء و غير الأجراء، و نعلم أنه بارتفاع المستوى التعليمي يرتفع الأجر. فهل يمكن أن نستنتج أن الاستثمار في التربية يدعم النمو الاقتصادي؟
يمكن أن يكون هذا الاستنتاج مقبولا إذا أثبتنا أن التربية النظامية تجعل الفرد أكثر إنتاجية. وهناك دراسات عديدة لامست الموضوع من زوايا أخرى لكن الملاحظ أن الإجابة عن هذا السؤال ليست بالأمر السهل. مع التذكير أن المشكل ليس في معرفة ما إذا كانت التربية تساهم في النمو، بل في تحديد نسبة مساهمتها مقارنة بالعوامل الأخرى (الرأسمال مثلا).

2 الانتقاء و الإدماج الاجتماعي:

  حسب دوركايم فالمدرسة هي عامل للاندماج المجتمعي بامتياز خصوصا بالمجتمعات العصرية. و جعل الفرد اجتماعيا يعني تلقينه منظومة من الأفكار، و المعتقدات، و التقاليد، و القيم الأخلاقية، مهنية أو طبقية . منها ما هو ثابت و منها ما يمكن أن يتغير حسب المكتسبات الجديدة و الوضعيات المعاشة.

1-2 المدرسة توحد و تفرق:

الانتقاء أو الاندماج الاجتماعي هما وجهان لحقيقة واحدة.فكل مؤسسة هي للانتقاء و أداة للتوحيد . فالاسرة مثالا تتميز بالعلاقات الحميمة و بتآزر وانسجام ثقافي لمعايير القيم المشتركة بين أفرادها فهي موحدة، وفي نفس الوقت تمارس دور الإنتقاء بناء إما على الجنس أو الصحة ... و المدرسة بصفتها "وسط أخلاقي منظم milieu moral organisé"    حسب دوركايم، فهي تحدد هوية التلميذ عبرتلقين مجموعة من الأفكار و السلوكات و القيم في إطار جماعي و بدون اسثتناء رغبة في تحويل الفرد و أنظمة تفكيره، بحيث تتحول معها مواقفه.  و ينبني هذا الموقف على نظرة ترى أن من مهام المدرسة خلق التنظيم أو المساهمة مع مؤسسات أخرى لخلق هذا الأخير. و تعتقد أن المرء سلبي ويمكن تشكيله.
و العديد من المتخصصين في العلوم الاجتماعية، و السياسية يرون أن القيم غير مرتبطة بإرادة معينة ، و التوافق الاجتماعي ممكن بسببها. و بالنسبة لآخرين فهو مفروض من طرف مجموعات الضغط. و هناك جواب آخر لدوركايم يحاول من خلاله تجاوز الطرحين السابقين، حيث أن التنظيم و إن لم يكن مرغوبا فيه عمدا من لدن أي شخص،  فكل واحد يساهم في إقامته.
والمدرسة أيضا أداة للتقسيم ؛ فتقييم المعارف و المهارات بطرق نقول عنها موضوعية تدفعنا إلى خلق تراتبية بين الإفراد. فهي تأكد على اختلاف قدراتهم، و كلما شجعت الثقافة المدرسية الإنتقاء و الامتحانات و آليات التفييئ  إلا و تقلصت سلطة تماسك القيم المتوافق بشأنها.

2-2 المعرفة المدرسية:

  فكونها ميكانيزم للضبط ، تعتبر المعارف المدرسية كذلك مسار للاندماج الاجتماعي و الفكري و حلبة للصراع بين المجموعات. فمثلا هناك تواز غريب بين التغيرات السياسية و التوجهات العلمية و الأدبية في الطور الثانوي بفرنسا، حيث من المعروف أن الثقافة المدرسية قبيل الثورة تقريبا كانت متمركزة على الأدب و انطلاقا من منتصف القرن 18 بدأت أصوات الموسوعيين في استعمال المؤسسة المدرسية كأداة لتأهيل المجتمع، ومن تم قطع الثوار مع ذلك الماضي و أعطوا الأهمية للعلوم الطبيعية.
وخلال القرن 19 كانت الأوضاع السياسية هي المتحكمة في طبيعة المعرفة المدرسية، فالتخصصات العلمية مثلا كانت تتأرجح بين احتلال مواقع متقدمة خلال حكم الليبراليين  وبين التراجع أو حتى الإختفاء من المعارف المدرسية مع المحافظين.
لكن المعرفة المدرسية تلعب دورا محددا في تكوين العقليات فالثقافة المدرسية ذات المضامين المتكاملة مثلا تستلزم نظرة شمولية.

3-2 محددات النجاح المدرسي

كل الدراسات أجمعت أن النجاح الدراسي يتناسب ايجابا مع مستوى الوضع الاجتماعي لأسرة التلميذ، هذا المستوى يتم قياسه بالنظر إلى مهنة الأب و مستواه الثقافي أو شواهده ودخله. ومن جهة أخرى يقاس النجاح الدراسي من خلال معدل الامتحانات، المرور من مستوى إلى آخر، المدة التي قضاها التلميذ في السلك التعليمي أو عدد مرات التكرار خلال مشواره الدراسي.
و يعطينا الجدول أسفله المأخوذ من دراسة عالمية جرت بين 1964 و 1965 في 12 بلدا. النجاح يتمثل في نقطة تتراوح بين 0 و 70 و هي مجموع النقط المحصل عليها في سلسلة من الاختبارات الرياضية. توزيع النجاح الدراسي حسب الطبقة الاجتماعية في بريطانيا.
 لكن يبقى من الضروري التأكد من أن الطبقة الاجتماعية هي المحددة للنجاح أو الفشل الدراسي. وهذا ما سنعالجه من خلال الفقرة الموالية.

4-2 المتغيرات الاجتماعية و المتغيرات المدرسية:

 سوف ننطلق في هذه الفقرة من الجدول الذي يتناول "النجاح الدراسي حسب الطبقة الاجتماعية و الشعبة" و المستمد من الدراسة السالفة:
والملاحظ إجمالا أن هذه المتغيرات المدرسية تساهم بدورها، بل و أكثر من المعطى الاجتماعي  في تحديد النجاح أو الفشل الدراسي و هو ما توصلت له دراسة مقارنة لمجموعة من الأنظمة التعليمية، باستثناء النظام الأمريكي حيث يلاحظ من خلال أعمال James Coleman  أن الطبقة الاجتماعية هي الأكثر تأثيرا من باقي المتغيرات المدرسية. ويبقى من المهم معرفة لماذا هذه المتغيرات المدرسية لها كل هذا التأثير؟
يمكن لكل من مفهوم ( الانتقاء و الانتقاء الذاتي و الانتقاء المفرط) أن يعطينا جزءا من الجواب عن هذا السؤال، بالإضافة إلى فرضية تأثير وضوح آليات الانتقاء. فكلما كانت الشبكات المدرسية شفافة كلما كانت شروط الانتقاء واضحة وبالتالي ازدادت حضوض تلاميذ الطبقات الضعيفة. حيث أن المعرفة الواضحة و السريعة لمبادئ اشتغال النظام المدرسي يمكن مستعمليه من ترشيد إمكاناتهم و وضع استراتيجيات مربحة في الجهد و المال. وقد تدخل متغيرات أخرى مثل: السن، الجنس، الإقامة، التركيبة الاجتماعية للوسط المدرسي .
  • الإنتقاء الذاتي:
و هو عندما يأخذ التلميذ أو أسرته قرارات لا تأخذ التفوق الدراسي بعين الاعتبار تخص الخروج نهائيا من المنظومة التعليمية أو التوجه إلى شعبة أقل تميزا مما يستحق.
وهناك نظريتين لشرح هذا المفهوم:
الأولى تتعلق بالاستباقية اللا واعية للفشل المستقبلي و من أبرز ممثليها نجد P.Bourdeu  ، فأنا أتجنب الفشل أو الإقصاء المدرسي لأنني أستبق بدون وعي العراقيل التي قد تواجهني أو تواجه من شابهني في المدرسة.
و الثانية تركز على القرارات المعقلنة حسب المعطيات المتوفرة و حسب فرص النجاح.
الإنتقائية المفرطة:

و هي حزمة من الآليات التي تمارس من خلالها مجموعة من الأفراد انتقائية مفرطة اتجاه مجموعة أخرى تكون مشتركة في خاصية أو خاصيات متعددة، لكن مختلفة عن الأولى.
وتتم هذه العملية عندما لا نخضع الأفراد لنفس درجة الصرامة في الانتقاء .
و الملاحظ أنه في المراحل الموالية لهذه الانتقائية، تصبح فوارق النجاح بين تلاميذ نفس الشعبة ( الناتجة عن الطبقية الاجتماعية ) جد ضعيفة إلى منعدمة . ولا يمكن تفسير ذلك إلا من خلال مسار الانتقاء الصارم الذي يخضع له تلاميذ الطبقات الاجتماعية المتواضعة خصوصا في المراحل الأولى للدراسة ؛ بحيث أن أولئك الذين خضعوا لانتقائية مفرطة يحصلون على نتائج أحسن من الآخرين فيما بعد. 

3 المدرس كفاعل ضبط اجتماعي: بنية السلطة داخل الفصل:

    إن تحليل التفاعلات بداخل القسم الدراسي تعود بالأساس إلى دوركايم عندما ناقش مسألة الضبط و السلطة في التربية الأخلاقية (L’éducation moale)  وقد تبعه في ذلك السوسيولوجي الأمريكي Waller و الذي خصص كتابه The sociology of teaching(1932 ) بالكامل لفحص هذه الظواهر الاجتماعية الدقيقة microsociologiques ، و حسب دوركايم فإن المهمة الأساسية للمدرسة هي التربية الأخلاقية :أي بنية قواعد العمل التي تحدد سلوك الأفراد المتعايشين.
إذن فالمدرسة يجب أن تنقل الضبط انطلاقا من عادات مكتسبة، وحس السلطة الذي يجد مكانه من خلال الانضباط. و هذا هو محور الاندماج الاجتماعي لأن من دونه يفقد المرء تحكمه في رغباته و يبتعد عن الاعتدال، و يؤكد دوركايم على أن هذه المبادئ أساسية خصوصا بالنسبة لمجتمع ديمقراطي. لكن الأخلاق ليست فقط احترام الإنضباط بل هو ارتباط بالمجموعة كذلك ووعي واضح بأسباب و دواعي تبني سلوك ما.
و من جهة أخرى فإن الاندماج الاجتماعي و التعليم ليس هو التلقين و لكن هو التفسير و الشرح لأن التعليم ليس ترويضا بل نقل الذوق و ملكة الضبط إلى طفل يجهلها اعتمادا على أساليب سيكولوجية. و من خلال المدرس يكتشف التلميذ القواعد.
ومن أهداف المدرسة العمل على انصهار المجموعة في قالب مدرسي وحيد بعيدا عن أصولهم العائلية. و الهدف الآخر هو خلق تراتبية ،فهي تحدثها انطلاقا من النقط و الجوائز، المحفزة للتلاميذ، إلا أن هذا النظام يكرس النجاح الدراسي بدل الاستحقاق الأخلاقي.
و يرى Waller أن نقل المعارف و نتائجها على التفاعلات الاجتماعية داخل الفصل الدراسي تحظى بالأولوية. ويشير إلى أن نقل الضبط لا يلاقي اهتماما كبيرا من لدن التلاميذ. ومن تم فالمدرس بصفته مسؤولا عن إتقان التلاميذ للمعرفة، تمنحه المؤسسة سلطة رسمية.
والمدرس بصفته فاعل انتقائي تكون لتمثلاته المسبقة عن تلامذته الأثر البالغ على مستوى نجاحهم و تطورهم، وهو الأمر الذي أكدته عدة دراسات من بينها دراسة ل Rist  والتي نشرت بمجلة "Harvard Educational Review  " لسنة 1970 .

1-3 تكافؤ الفرص المدرسية و الحركية الاجتماعية:

في المجتمعات ما قبل الصناعية التي تعتبر فيها الأسرة المكان الأساسي للتربية وكذا وحدة الإنتاج الأولية يصبح الحديث عن تكافؤ الفرص بلا معنى. وإلى حدود القرن 19 كانت التربية في أوروبا تعيد إنتاج الطبقات الاجتماعية حيث مدارس خاصة وبمقابل للطبقات العليا وأخرى من تمويل الدولة أو الجماعات للطبقات الشعبية وهنا اللا تكافؤ مقبول لأنه من مقومات المنظومة التربوية.
والمطالبة الاجتماعية بمدرسة وحيدة للجميع هي التي ستطرح مشكل تكافؤ الفرص.
يعني :
    حد أدنى من تعليم مجاني و عام
     توزيع معارف متطابقة للجميع
     مساواة في الموارد المدرسية
     لا يجب أن تكون المدرسة مكان للميز
     مساواة أمام تأثير المدرسة  
   
2-3 التربية و الحراك الجتماعي:

في علاقة المدرسة بالترقي الاجتماعي نجد أنها حضيت باهتمام العديد من المفكرين من أمثال Tocqueville و Durkheim و Marx و Weber  و Sombart  و Sorokin . لكن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية هي التي ستعرف توسعا عميقا في هذا الموضوع بحيث يتضح أن بالدول التي تتوفر على معطيات إحصائية توجد علاقة وطيدة بين المستوى التعليمي و المركز الإجتماعي و الذي يتضمن كل من الدخل و السلطة و المكانة. فحسب دراسة فرنسية نشرت بمجلة " Economie et Statistique 1983 " من أصل 100 خريج جامعة أو مدرسة عليا ، 82% يزاولون أعمال حرة أو أطر عليا. فيما من أصل 100 فرد بدون شهادة 0.6% فقط من لهم هذا الوضع.
ومن المهم الإشارة إلى الدور الذي لازالت تلعبه البكالوريا في التوزيع الاجتماعي للأفراد و كما قال Goblot فهي " حاجز و مستوى " حيث أن أغلب الذين لا يحملون هذه الشهادة يشتغلون في أعمال يدوية. لكن هل المستوى التعليمي هو المحدد الوحيد للوضع الاجتماعي؟ من أجل الجواب عن هذا السؤال سندرج إحدى خلاصات الدراسة الأمريكية التي قادها كل من Blau و Duncan و الصادرة في كتابهما The American Occupational Structure .
حيث Nip = المستوى التعليمي للأب؛ Nif = المستوى التعليمي للإبن؛ SSAR = الوضع الإجتماعي الحالي؛ SSPER = الوضع الاجتماعي عند أول عمل؛ SSP = الوضع الاجتماعي
والأرقام تمثل قياس تأثير كل متغير على الآخر؛ فيبلغ أقصاه عند القيمة 1 و قيمته الدنيا 0
                                                                                                                                              
خاتمة
وتبقى المدرسة ذالك الفضاء الذي تتداخل فيه العديد من القيم و السياسات و التطلعات... بعيدة عن إمكانية حصر و تحديد طرق و نسب تأثير مختلف المتغيرات فيما بينها. وقد حاولنا تسليط الضوء من خلال كتاب SOCIOLOGIE DE L’EDUCATION  على بعض أدوار المدرسة إما السياسية من خلال علاقتها ببنية الدولة وإما الاقتصادية من خلال علاقتها بسوق الشغل و إما الاجتماعية من خلال علاقتها بالطبقية الاجتماعية، و كذا ممارستها للانتقاء والتقسيم و الارتقاء  و الاندماج الاجتماعي ... . 
                               

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

المتابعون

المتابعون

جميع الحقوق محفوظة

التوجيه المدرسي والجامعي

2016